كشف نائب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق يوسي بيلين أن تونس والكيان المحتلّ عقدا محادثات سريّة لتوقيع اتفاقية سلام بداية من أكتوبر 1993.
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست في عددها الصادر اليوم عن بيلين أنه عقد لقاءات سريّة مع وزير الخارجيّة التونسي الحبيب بن يحيى ومسؤولين تونسيّين رفيعي المستوى في تونس وبروكسل وكانت هناك رغبة في تطبيع العلاقات.
وشدّد المسؤول الإسرائيلي على وجود نيّة لتبادل التمثيل الدبلوماسي برعاية بلجيكية عبر فتح مكتب في كل من سفارة بلجيكا بتونس وتل أبيب، لكن الخطة فشلت مع اندلاع الانتفاضة سنة 2000.
وجاء في تقرير صحيفة جيروزاليم بوست، أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عند توليه السلطة، جدد التزام تونس بالقضية الفلسطينية وتوافقها مع سياسات الجامعة العربية. وأدان باستمرار الإجراءات الإسرائيلية لا سيما خلال التصعيد الكبير في أعمال العنف بين إسرائيل والفلسطينيين.
وذكر التقرير أن هذه التصريحات كانت تهدف إلى استرضاء الرأي العام المحلي والإقليمي مع الحفاظ على دور تونس القيادي في العالم العربي.
وأشار التقرير أن بن على ورغم اتخاذه موقفا قويا وعلنيا مناهض لإسرائيل، فإن علاقة مع الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ستساعد في تنفيذ رغبته في إيجاد شكل من أشكال العلاقات مع الإسرائيليين، وتهدف استراتيجيته هذه إلى تأمين المساعدات الاقتصادية وتعزيز المكانة الدولية لتونس.
وبيّنت الصحيفة أن بعض الأحاديث أعقبت مؤتمر مدريد عام 1991، حول قيام الاحتلال بتطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية بما في ذلك المغرب وعمان وقطر وتونس، وجرت محادثات سرية في هذا الاتجاه.
وجاء الاختراق الحقيقي بعد توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993 من قبل رئيس الوزراء إسحاق رابين وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
وتم توقيع اتفاق أوسلو الأول في سبتمبر من ذلك العام، وبحلول أكتوبر، كانت المحادثات رفيعة المستوى جارية بالفعل بين الإسرائيليين والتونسيين لإقامة علاقات دبلوماسية.
قال نائب وزير الخارجية آنذاك يوسي بيلين لصحيفة جيروزاليم بوست هذا الأسبوع: “كان ذلك مباشرة بعد أوسلو، وكانت الخيارات مفتوحة”.
وتابع: “ذهبت إلى تونس للقاء عرفات في أكتوبر 93، مباشرة بعد حفل توقيع اتفاقات أوسلو، والتقيت ببعض المسؤولين التونسيين”.
كما التقى بيلين عدّة مرات بوزير الخارجية التونسي آنذاك حبيب بن يحيى ويتذكر الحماس الكبير لما يمكن أن تؤدي إليه المحادثات.
وقال: “كان الأمر لا يصدق، في البداية كانوا مؤيدين جدا لليهود وكانوا فخورين بالتحدث عن الجالية اليهودية، وتم نقلي إلى مواقع يهودية. كانوا سعداء جدا بالتحدث والاجتماع وتبادل الأفكار. ما وجدته هو الإعجاب بإسرائيل، رأيت أيضا بعض التحفظات من جانبهم عند الحديث عن الفلسطينيين”.
ووفقا للصحيفة، لم يكن تركيز المحادثات بين البلدين على وجه التحديد على الأمن أو الفلسطينيين ولكن سبل أخرى مثل التجارة والسياحة والاستثمارات.
وأدّى توقيع معاهدة السلام بين الأردن و”إسرائيل” في أكتوبر 1994 والاتفاق مع المغرب لفتح مكاتب اتصال في سبتمبر من ذلك العام إلى زيادة التفاؤل بأن إسرائيل يمكن أن تصنع السلام مع جيرانها العرب.
وأشار التقرير إلى أن المحادثات تقدّمت مع التونسيّين بما فيه الكفاية منذ أكتوبر 1993 لإنشاء روابط هاتفية بين البلدين، وبدأ السياح الإسرائيليون في الوصول إلى تونس بأعداد أكبر.
وكان أحد الأسباب المحددة للزيارة هو ذكرى وفاة الحاخام شمعون بار يوهي وكان مئات الإسرائيليين وآلاف اليهود الفرنسيين يسافرون إلى جربة للاحتفال.
وإحدى اللحظات الخاصة التي يتذكرها بيلين هي ردّ التونسيين عندما حزم عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية أمتعتهم وغادرا تونس إلى غزة في جويلية 1994 – بدا أنهم وراء الكواليس لم يندموا لرؤية الزعيم الفلسطيني يغادر البلاد.
وقال: “كان هذا هو مستوى العلاقة الحميمة ونوعا من الصداقة. كان الموقف ودودا جدا ومنفتحا مع التونسيين.”
ويتابع التقرير: “كانت المحادثات بين إسرائيل وتونس تجري أحيانا في تونس لكنّها جرت في أغلبها في بروكسل مع فكرة أن تونس وتل أبيب ستفتحان مكاتب مصالح ملحقة بالسفارة البلجيكية في البلدين.
ويضيف بيلين: “لقد تفاوضنا بشكل رئيسي في بروكسل وذهبنا إلى هناك بشكل متكرّر.. جئت مع الوفد وكان نظيري هو نائب وزير الخارجية التونسي. كانت الفكرة هي أن يكون كل من مكتب إسرائيل في تونس والمكتب التونسي في إسرائيل جزءا من السفارة البلجيكية. كانت هذه هي الفكرة التي طالب بها التونسيون”.
وتابع: “في البداية، اقترحنا أن تكون سفارة منفصلة، لكننا لم نناقشها. رأينا بالنسبة للتونسيين أنه من المهم أن يكونوا تحت مظلة بلجيكية. كانت بلجيكا حاضرة في مفاوضاتنا.”
وافتتحت مكاتب المصالح رسميا في تونس وتل أبيب في عام 1996، مما يؤكد ذروة العلاقات التونسية الإسرائيلية.
ويشير التقرير إلى أن التونسيّين عارضوا بأغلبية ساحقة التطبيع مع “إسرائيل”، مدفوعين بالتضامن مع الفلسطينيين والمظالم التاريخية ضدهم.
ووفق الصحيفة استفادت الحركات الإسلامية مثل النهضة من هذا الشعور، معتبرة أي علاقة مع “إسرائيل” على أنها خيانة للقيم الوطنية والإسلامية كما قيدت المعارضة المحليّة قدرة بن علي على متابعة العلاقات الدبلوماسية العلنية.
على الصعيد الإقليمي، كان على تونس أيضا أن توازن بين سياساتها وسياسات جيرانها العرب والمغاربيين.
في حين أن دولا مثل مصر والأردن اتبعت معاهدات السلام مع “إسرائيل”، فيما ظلت دول أخرى مثل الجزائر وليبيا تعارض بشدة.
تقول الصحيفة: “لسوء الحظ، لم يتم الوفاء بوعد التطبيع خلال التسعينيات. لقد غير اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000 المشهد وتم إلغاء كل العمل الشاق الذي قام به المسؤولون الأجانب الإسرائيليون للحفاظ على العلاقات مع الدول العربية”.
وبحلول عام 2002، أغلق مكتبا المصالح في تونس وتل أبيب، وتضاءل أي أمل في إقامة علاقات دبلوماسية رسمية.
وخلال هذه الفترة عاد بن علي إلى شخصيته السابقة في دعم الفلسطينيين وشيطنة “إسرائيل”.
وقال بن علي في الجلسة الافتتاحية لقمة جامعة الدول العربية لعام 2004 في تونس: “لا تزال القضية الفلسطينية هي أهم قضية لنا، إنها مصدر قلق كبير بالنسبة لنا لأنها مرتبطة بقضايا لها تأثير على الأمن، ليس فقط في المنطقة ولكن أيضا في جميع أنحاء العالم خاصة بعد تزايد مستويات العدوان من قبل الإسرائيليين والتي خلفت وراءها العديد من الضحايا”.
وتم الحفاظ على هذا الوضع الراهن طوال بقية العقد حيث حافظ بن علي على قبضته على السلطة.
ويضيف التقرير: “ربما يمكن تلخيص المسار الغامض للعلاقات التونسية الإسرائيلية على أفضل وجه في حكاية واحدة رواها بيلين عن تلك الفترة”.
فخلال إحدى رحلات الوزير السابق إلى تونس للتعامل مع المسؤولين التونسيين، أعرب عمدة صفد السابق وعضو الكنيست أهارون نهمياس عن رغبته في الانضمام إلى الوفد على الرغم من عدم وجود دور رسمي مسموح به.
وأثناء وجوده في تونس، قبل اجتماع الإفطار مع وزير الخارجية بن يحيى، طلب نهمياس من بيلين الحضور معه وحظي طلبه بالموافقة، وانضم نهمياس إلى الإفطار.
وخلال الاجتماع طلب نهمياس صورة مع وزير الخارجية الذي وافق، وطلب من أفراد الأمن التقاط صورة لهم.
لكن بعد الإفطار، واجه نهمياس موقفا غير متوقع.
فبينما كان يستعد للمغادرة، اقترب منه أفراد الأمن وطلبوا الكاميرا التي تحتوي على فيلم الصورة.
يقول بيلين أن نهمياس “ادّعى أنها كانت قد شحنت وفي طريقها إلى الطائرة، وكانوا يعرفون أنها ليست الحقيقة، لكنهم أصروا بنبرة لا يمكن إساءة تفسيرها. كان نهمياس خائفا، لذلك ذهب إلى أمتعته ووجد الكاميرا”.
وتابع بيلين قائلا: “أخذ أحد رجال الأمن الكاميرا وفتحها، والتقط الفيلم، وعندما رأى الصورة مع الوزير وضعها في جيبه، تاركا نهمياس بدون صورته”.
يضيف بيلين ضاحكا: “سمح له الوزير بالمشاركة في الاجتماع، وسمح له بالتقاط الصورة، ثم أرسل أعوانه ليستعيدوها”.
“إنها ذكرى مريرة لأنها ليست تناقضا، ولكنها كانت فقط لتذكيرنا بأن تونس كانت على حقيقتها. كان نوعا من الهدية التذكارية من التونسيين: لا تنس من نحن..
– ترجم جزء من التقرير الأصلي للعربيّة الصحفي نبيل الشاهد –