أثار مقترح في مشروع قانون المالية لسنة 2025، يهدف إلى الحد من هجرة الكفاءات التونسية في مجالات الطب والهندسة والتخصصات التقنية العالية، جدلاً واسعًا في الأوساط المهنية والسياسية. وقد اعتبر العديد من الخبراء والهيئات المهنية، بما في ذلك عمادتا الأطباء والمهندسين، أن هذا المقترح غير دستوري، وأنه يشكل انتهاكًا للحرية الشخصية، ولن يساهم في حل المشكلة بل قد تكون تداعياته سلبية على المدى الطويل.
ويتضمن الفصل المقترح من مشروع قانون المالية فرض رسوم على خريجي الجامعات في تخصصات الطب والهندسة والتخصصات التقنية العالية الذين يقررون العمل في الخارج، حيث يُلزمهم بتسديد 50% من تكاليف دراستهم الجامعية في حال مغادرتهم البلاد للعمل بالخارج خلال السنوات الخمس الأولى بعد التخرج. وتنص القاعدة على أن يتم سداد هذه المبالغ عبر أقساط سنوية، مع تحديد جدول زمني يتم الاتفاق عليه بين المعني بالأمر ووزارة التعليم العالي.
في تعليقه على المقترح، وصف رئيس عمادة المهندسين، كمال سحنون، هذه المبادرة بـ”الغريبة”، مؤكدًا أنها تتعارض مع الدستور. وأوضح سحنون في تصريح لبرنامج “صباح الناس” أن هذه الفكرة لا ترتقي لأن تصدر بشأنها أي موقف من العمادة، مشيرًا إلى أن المقترح قد لا يُصادق عليه في البرلمان نظرًا لاعتراض بعض النواب على ذلك. كما أكد سحنون أنه في حال تم تمرير هذا المقترح، فإنه يرجح أن يرفض الرئيس قيس سعيّد ختم القانون لكونه غير دستوري.
وأشار سحنون إلى أن هذه المبادرة تعتبر بمثابة خطوة غير منطقية، داعيًا إلى ضرورة التفكير في تبعاتها المستقبلية، لا سيما أن المهندسين يمثلون أكثر من 80% من الكفاءات المهاجرة إلى الخارج. واعتبر أن هذا المقترح يوحي وكأنّه موجه ضد المهندسين، وهو أمر غير مقبول. كما أشار إلى أن الحلول لتقليص هجرة الكفاءات واضحة، وهي تتمثل في تحسين ظروف العمل في تونس من خلال دعم المهندسين ماديًا ومهنيًا، وتوفير بيئة عمل تحفز على الابتكار وتغيير مناخ الاستثمار إلى اقتصاد مرتكز على المعرفة، وليس الاقتصار على فرض إجراءات ردعية.
من جانبها، اعتبرت عمادة الأطباء أن المقترح يعدّ غير دستوري وسالبًا للحرية. وقال كاتب عام عمادة الأطباء، نزار العذاري، في مداخلة هاتفية على “صباح الناس” إن هذا المقترح يمثل انتهاكًا للحريات الشخصية، وهو “خطير” لأنه قد يجعل الشباب ينفرون من دراسة الطب. وأضاف أن هجرة الأطباء تمثل بالفعل مشكلة حقيقية، وصفها بالنزيف، لكنه أكد أن الحل يكمن في معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الأطباء للهجرة.
وأقر العذاري بأن هجرة الأطباء تتسبب في فقدان العديد من الأطباء الموهوبين، مشيرًا إلى أن 1300 طبيب، غالبيتهم من الشباب، هاجروا في سنة 2023. واعتبر العذاري أن الحلول تتطلب تحسين ظروف العمل في المستشفيات العامة، ومكافحة العنف ضد الأطباء، بالإضافة إلى تحسين الحوافز المالية والمهنية.
واقترح العذاري أيضًا بعض الحلول العملية مثل تنظيم تدريب للأطباء الجدد من خلال إشراكهم في عيادات مشتركة مع أطباء ذوي خبرة، إلى جانب تحفيز الأطباء الشبان على العمل في اختصاصات متعددة داخل العيادات. كما أشار إلى إمكانية تقديم مبادرات تتعلق بالأطباء الناجحين في مناظرات طب الاختصاص، مع وضع شروط خاصة للعمل لمدة خمس سنوات في المستشفيات الداخلية.