استئناف أحكام ابتدائية بسجن عدد من “صانعي المحتوى”
تقدّم محامو عدد من “صانعي المحتوى” في تونس بطلبات استئناف أحكام ابتدائية كانت صدرت ضدهم في نوفمبر الحالي بسبب “محتويات تتعارض مع الآداب العامة”، ولم تحدّد المحكمة جلسات الاستئناف بعد، وفق ما صرح به لـ(وات) الأستاذ غازي مرابط، محامي إحدى المتهمات في هذه القضايا
وكان القضاء أصدر أحكاما بالسجن ضد خمسة من “صانعي المحتوى” تراوحت بين سنة ونصف وأربع سنوات ونصف، وذلك بعد أن أذنت وزارة العدل في موفى أكتوبر الماضي للنيابة العمومية باتخاذ الإجراءات القانونية للتصدي لمحتويات منتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة “تيك توك” و”انستغرام”، “تتعارض مع الآداب العامة، على غرار استعمال عبارات أو الظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية”.
وفور صدور هذه الأحكام، قال الناطق باسم المحاكم الابتدائية بالمنستير والمهدية، القاضي فريد بن جحا، في تصريحات إعلاميّة، إنّ المحكمة اتجهت إلى تطبيق أقصى العقوبة في هذه القضايا.
وأوضح أنه يمكن للمحكومين كما النيابة العمومية استئناف الأحكام، مبينا أنه يمكن لمحكمة الاستئناف الإبقاء على العقوبة نفسها أوالتخفيف أو الترفيع فيها، كما يمكن للمحكمة أن تستبدل العقوبة السجنية بالعقوبة البديلة والعمل لفائدة المصلحة العامّة.
بدورها، علقت وزيرة العدل ليلى جفال، على الجدل القانوني والمجتمعي الذي أثارته هذه الأحكام، وقالت إنّ النصوص القانونية التي تم تطبيقها على الموقوفين في القضايا المتعلقة ”بالإعتداء على الأخلاق الحميدة” ليست جديدة بل موجودة في المجلة الجزائية. ولاحظت أنه لا يمكن اعتبارهم ”مساجين فنّ”.
وقالت جفال، خلال مناقشة مهمّة وزارة العدل من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 بالبرلمان، “لا وجود لمساجين فن أو مساجين سياسة .. الجميع سواسية أمام القانون”، متابعة قولها “من جهة يطالبون القضاء بمحاسبتهم على المحتوى غير الأخلاقي الذي يقدمونه وعند صدور أحكام ضدّهم يتم تصنيفهم كفنانين”.
أحكام القانون
يستند القضاء في مثل هذه القضايا إلى جملة من النصوص القانونية الواردة أساسا في مجلة الاتصالات والمجلة الجزائية وقانون مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال.
وأوضح الناطق باسم المحاكم الابتدائية بالمنستير والمهدية، القاضي فريد بن جحا، أنّ إحالة بعض هؤلاء “المؤثرين” تمت على جملة الأحكام المنصوص عليها بالفصل 86 من مجلة الاتصالات وبالفصلين 226 و226 مكرّر من المجلة الجزائية وبالفصلين 24 و25 من قانون مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال
وينص الفصل 86 من مجلة الاتصالات على أنه “يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وبخطية من مائة إلى ألف دينار كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات”.
ووفق الفصل 226 من المجلة الجزائية “يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها ثمانية وأربعون دينارا كل من يتجاهر عمدا بفحش”.
كما ينص الفصل 226 مكرر من المجلة الجزائية على أنه ” يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها ألف دينار كل من يعتدي علنا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة بالإشارة أو القول أو يعمد علنا إلى مضايقة الغير بوجه يخلّ بالحياء”.
ويستوجب نفس العقوبات المذكورة بالفقرة المتقدمة “كل من يلفت النظر علنا إلى وجود فرصة لارتكاب فجور وذلك بكتابات أو تسجيلات أو إرساليات سمعية أو بصرية أو إلكترونية أو ضوئية”.
ويتضمن الفصل 24 من قانون مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال عقوبة “بالسجن مدّة ستة أشهر وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار كل من يتعمد استعمال نظام معلومات أو اتصال لترويج بيانات ذات محتوى يشكل تجاهرا بفحش أو اعتداء على الأخلاق الحميدة … ويكون العقاب بالسجن لمدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها عشرة ألاف دينار إذا كان محتوى البيانات يرمي إلى التحريض على الخناء أو الفجور”.
ويعاقب الفصل 25 من القانون ذاته “بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها عشرة ألاف دينار كل من يتعمد استعمال نظام معلومات في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للأخلاق الحميدة أو لإظهارها بطريقة من شأنها هتك شرفه أو المساس من اعتباره”.
التونسيون وشبكات التواصل الاجتماعي .. معطيات وأرقام
بيّنت دراسة أنجزتها مؤسسة “ميديا نت” ونشرت في شهر أفريل من هذا العام (2024) أنّ 7 ملايين و700 ألف تونسي يملكون صفحة على شبكة “فيسبوك”، وذلك بتطور بلغ 14 بالمائة مقارنة بعددهم خلال شهر جانفي 2023.
ووفق ذات الدراسة، يبلغ عدد التونسيين المستخدمين لـ “انستغرام” 3 ملايين و512 ألف تونسي، بنسبة تطور بلغت 19 بالمائة، مقارنة بما سُجِّل خلال شهر جانفي 2023، بينما يُقدّر عددهم على شبكة “لينكد إن” بـ 2 مليون و320 ألف تونسي.
وتأتي تطبيقة “الماسنجر” في المرتبة الثانية من حيث الاستخدام، تليه تطبيقة “تيكتوك” بنسبة تطور بلغت أكثر من 75 بالمائة.
وبشأن توزيع الفئات العمرية، بيّنت الدّراسة أن أكثر الفئات استخداما لمنصة “فيسبوك” هي الفئة العمرية بين 35 و54 عاما، بنسبة 31 بالمائة، ليقل استخدامه من قبل الفئة العمرية بين 25 و34 عاما مقارنة بـ “انستغرام”، فيما احتلت الفئة العمرية الأقل من 24 عاما المرتبة الأولى في استخدام “تيك توك”.
وفي ظل تنامي نشاط “المؤثرين وصنّاع المحتوى” التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ركزت الدولة خلية لتقصي واستغلال المعلومات المتعلقة بهم لإخضاعهم لواجب الجباية.
وذكرت وزيرة المالية سهام البوغديري، خلال مناقشة مهمة وزارة المالية من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025، أن عمليات المراقبة أفضت الى مداخيل جبائية فاقت الـ 15مليون دينار بالنسبة لـ “المؤثرين وصناع المحتوى”.
الجرائم .. ردع القانون .. التوعية
علق عميد كلّية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بأريانة، وحيد الفرشيشي، على العقوبات السّجنية ضد عدد من “صانعي المحتوى”، بالقول إنّ أوّل قاعدة في القانون هي “الضّرورة والتناسب”، متابعا “لا أعتقد أنّ هذين العاملين متوفّرين في حالة هؤلاء النّاشطين على مواقع التواصل”.
واعتبر الفرشيشي، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)، أنّ الرّدع بالقانون لا يمكنه بأيّ حال من الأحوال أن يكون الحلّ الأمثل لحماية المجتمع بصفة عامّة والأطفال والمراهقين بصفة خاصّة من بعض المحتويات “غير المقبولة اجتماعيا”، مشدّدا على أنّ الجريمة الأخلاقية تبقى دائما نسبيّة وأنّ “الدّور العقابي يأتي في نهاية السّلسلة ويجب أن يكون جد استثنائي”.
وتابع في هذا الشأن أنّ مسؤوليّة حماية الأطفال والمراهقين تكون على المستوى الأول والأساسي من مهام الوالدين، فضلا عن مراجعة مناهج التعليم في اتجاه تدريس النّاشئة وتوعيتهم بالمخاطر المحتملة لمواقع التواصل الاجتماعي، وتوعية المستخدمين بصفة عامّة بهذه المخاطر، بالإضافة إلى معالجة هذه الظّاهرة على المستوى الاجتماعي.
وفي هذا السّياق، لاحظت الأستاذة في علم الاجتماع، فتحيّة السّعيدي، أنّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت فضاء عموميا افتراضيا يعكس ما في المجتمع من اتجاهات ورؤى وسلوكيات وآراء، وهو “ما يدفع للمناداة بضرورة إدراج التربية على وسائل الاتصال الحديثة ضمن عمليات التنشئة الاجتماعية ومناهج التربية للتقليل من الآثار السلبية لهذه الوسائط ومن أجل استعمال جيد لها”.
وقالت السعيدي، لـوكالة تونس إفريقيا للأنباء، إنّ “الحلول كثيرة ولكنها تحتاج صبرا وأناة”، ويتمثّل أولها في “مرافقة وتوجيه النّاشئة وبناء جسر تواصل قائم على الصداقة بين جيل الأبناء والأولياء”.
وعلى المستوى الاجتماعي، بينت السعيدي أنّ الحلّ لا يكون عبر الزج بفئة “صناع المحتوى” في السجن، فالرّدع بالسّجن “يعمّق الإحساس بالظلم ويخلق موجة من التعاطف بين صفوف الشباب والمراهقين مع المسجونين”، وفق تقديرها.
وأضافت قولها ” لئن يمكن للرّدع بالسجن أن يخلق حالة من الخوف ويساعد بشكل ما على التخفيف من صناعة المضامين الهابطة والسخيفة، فإنه لا يستطيع حجب ملايين المضامين التي نشرت قبل عملية السجن ولا يستطيع تقويم السلوك وفق المعايير الاجتماعية السائدة، أي أنّ أثره محدود في الزمن وفي السلوك على حد سواء، ويمكن أن تكون له آثار عكسية”.
وقالت إنّه يمكن الاعتماد أيضا على “مقاربة تنشئية شاملة” تقوم على التحسيس والوقاية، والعمل على بناء على رؤية للمجتمع في ضوء المتغيرات الجديدة الحاصلة، تشترك فيها مؤسّسات الدّولة والمجتمع المدني وتكون ضمن سياسات عمومية تستهدف التنشئة والثقافة والمجتمع.
وتابعت السعيدي أنه يمكن للدّولة أن تعقد شراكات مع القائمين على هذه المنصات والشبكات، وتعدّ بالتعاون معها “معجما لغويا” يتعلق بالألفاظ والمصطلحات التي فيها مسّ من الكرامة ومن الحرمة المعنوية وتعتبر معيبة وحاملة لمضامين عنيفة، يتم بمقتضى ذلك، حجب هذه المضامين آليا من مواقع التواصل الاجتماعي.
(وات)